الأساطير المؤسسة للعقيدة الصهيونية

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة..
الفكر في سياق العام اشتمل على ظاهرة ثقافية وهي ان الفكر في أوائل تكونه يشتمل على مفاهيم ورؤوى ودلالات ولكنه في مرحلة الصيرورة والتحول نلحظ تعرضه الى تغيرات جوهرية وعرضية لأسس مبتنياته واغلب مدعياته وهذا ما نص عليه اغلب المفكرين المختصين في ((علم تأريخ الأفكار)) وهذه القاعدة يمكن تطبيقها على العلوم جميعاً سواء كانت التطبيقية منها او الإنسانية وحتى الدينية واللاهوتية وهذا ما صرح به-ويل ديورانت- خبيرعلم الحضارة،والسيد محمد باقر الصدر في كتابه-اقتصادنا- ، والشيخ محمد تقي اليزدي في كتابه القيم( الايدلوجيات المقارنة).
ولو طبقنا هذا الفكر اليهودي فاننا سنجد ان نشأته شيء وان تطوره وما جرى عليه من تحولات شيء اخر، واهم تغيير طارئ على اصل الفكر اليهودي هو تحوله من ديانة الى ايدلوجية سياسية عرفت ب(الصهيوني) بنت ذاتها على منطلقات فكرية مؤسسة على اطر ثقافية معينة تعتبر-نشاز ثقافي- اوصلتهم الى اعتبار كثير من الاساطير هي ركائز في بنية العقل اليهودي الصهيوني
اساطير الصهيونية اليهودية..
ان المتعمق في دراسة الفكر اليهودي الصهيوني يلحظ انه متبني على مجموعة من الاساطير الفكرية والاعتقادية تنبثق من هذه الاساطير ايدلوجية خاصة تفرض تعامل خاص مع ابناء المجتمع اليهودي ومع غير اليهودي يمكننا ان نبني هذه الاساطير بالتالي..
اولاً:- اسطورة ان الشعب اليهودي هو شعب الله المختار.
ثانياً:- اسطورة ارض الميعاد.
ثالثاً:- اسطورة التطهير العرقي لغير اليهودي.
سوف نبين السرد الكامل للحجج التي يعتمدها اليهودي لاثبات صدق معتقداته بتلك الاساطير مع تقديم النقود والاعتراضات على أسس سنبني الاثار السلبية التي تترتب على هذه الاعتقادات الاسطورية.
اولاً:- (اسطورة الشعب المختار)
حقيقة استعمارية وليست نبوءة توراتية.
١-هناك اتهام جاهز لالصاقه بأي شخص يتجرأ على طرح اراء تتعارض مع السياسة الإسرائيلية،فأن كان هذا المعترض يهودي فيوصف بأنه(كاره لذاته) واذا كان غير يهودي فأنه يتهم بتهم(معاداة السامية) فأنك بامكانك انتاج فلم سينمائي او وثائقي عن المحرقة اليهودية في عصر هتلر ولكنك في الوقت نفسه لا يمكنك ان تنفي المحرقة،ولا يمكنك ان تقلل من حجم الضحايا اليهود حتى لو كنت خبيراً في التاريخ المعاصر او مختص في مجال الأديان المقارنة لأن هناك لوبي ضاغط يؤثر على التعليم والمجال البحثي تآثيره على السياسة والحكام يوحي له ان هذه مهمة مستحيلة!
واذا صدر مؤلف بصدد هذا الموضوع فأن الوبي اليهودي يسارع الى الضغط على دور النشر او تهديد المؤلف كما حصل مع الدكتور المصري عبد الوهاب المسري عندما انجز موسوعته (الصهيونية العالمية) المؤلفة من خمسة عشر جزءآ، راسله الحاخام اليهودي(مائير كاهان) برسالة مضمونها بالعبرية (بابلش ايگول بيريش)،وترجمتها (النشر يساوي القتل).
هذا التعامل المنطلق من (العنصرية) التي تنتصر الى عرف من الأعراف البشرية لا تعرف الحوار ولا البحث العلمي بل تصادر الحقائق التاريخية من اجل اثبات اسطورة ليؤمن بها العقل اليهودي من خلال التلقين الموجه والتوارث البيئي حتى لو تخالف الحقيقة التاريخية.
وكنا يعلم ان الاستعمار له منطق خاص وواحد وهو (منطق الاقصاء وازاحة وشيطنة الاخر واضعاف الاخر)من اجل تمرير مشروعه على الاخر وصولاً الى المطامع التي ينشدها وهذا هو الحاصل مع اليهود في ايمانهم باسطورة الشعب المختار وان العالم خلق لهم وحدهم وان دم اليهودي انقى من بقية الدماء والأعراف،فهي فكرة مؤسسة على دوافع استعمارية.
٢-هناك كثير من المفكرين اليهود والحاخامات اعترضوا على هذه الفكرة وبينوا انها اسطورة عقائدية وبينوا ان كل النصوص المستقاد منها تفضل اليهودي على غير اليهودي غير تامة الدلالة وتحتاج الى فهم اعمق للوصول الى مدلولها الحقيقي،بل ان المحققين الذين درسوا التوراة والتلمود اثبتوا ان من كتب التوراة شخصان ليسا(موحدين) وهما(يهودى وايلوهي).
٣-نص سفر الخروج (٢٠،٢-٥)
ان اليهودي وايلوهي لم يكن أي منهما وحداني:
(كانا يناديان بتفوق الاله العبراني على سائر الالهة وانه غيور عليهم) وهذا نص عليه(المفكر الفرنسي روجيه غاروري في كتابه)( الاساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية )١
فكيف يتم الوثوق بمضامينه!
٤-حتى لو قلنا ان اكثر الأنبياء من بني إسرائيل فأن هذا التفضيل بلحاظ ان اكثر الأنبياء منهم وليس هذا التفضيل للسلالة جميعها ولا يشمل المجتمع الإسرائيلي بشكل عمومي ولا يسري على أي إسرائيلي منحدر من نبي الله يعقوب عليه السلام.
٥-ان النصوص التوراتية التي يعتمدها اليهودي في اثبات ان سلالته من الارقى وانهم شعب الله المختار،كتبت ودونت بعد وفاة انبياءهم بسنوات عديدة وهذا ما صرح به كبار المحققين في الديانة اليهودية ووضعت نصوص مؤلفة من (تلاميذ واتباع الأنبياء مع فارق زمني) فكيف يتم الوثوق بهذه الفكرة مع انها صناعة بشرية!
وهذا ما صرح به الدكتور المحقق((محمد جمال طحان)) في كتابه (الخديعة الكبرى-هل اليهود حقاً شعب الله المختار)
لكن(كذب ثم كذب ثم كذب حتى يصدقك الناس) هي القاعدة المنسوبة الى مهندس الدعاية النازية(غوبلز)هي جوهر الدعاية للمشروع الصهيوني التي قامت على مجموعة من الكذبات التي تم ترويجها وغرسها لدى وجدان العالم مثل كذبة(ارض بلا شعب وشعب بلا ارض)
وكذلك(ارض الميعاد) ومنها كذبة(شعب الله المختار)
٦-هذه الدعوى تعارض القوانين الدولية ولائحة حقوق الانسان وكل الأعراف العالمية التي تفترض انه لا فرق بين افراد البشر،ولا يقبل أي شكل من اشكال التمييز العنصري والطبقي والكل متساوون في القيمة والاعتبار والحقوق ولكن العقلية اليهودية تصادر كل هذه الاتفاقيات الدولية وتتجاهر بالعنصرية من دون رادع ولا حسيب من المجتمع الدولي الحليف لها.
٧-دعوى شعب الله المختار مع انها اكذوبة حتى لو قبلناها فانها نبؤة انتهت بمجيء المسيح عليه السلام ولم يعد المجتمع اليهودي المفضل لوحده بل شاركهم بالتفضيل غيرهم.
.......................
١-ص ٤٨
٨-من النصوص التي تستند عليها الدعوى:
-نص لاويون ٢٠: ٢٤ -٢٦
(انا الرب الهكم الذي ميزكم عن الشعوب تكونون لي قديسين لأني قدوس انا الرب وقد ميزكم عن الشعوب لتكونوا لي)
-نص التشبيه ٧: ٦-٨
(انك يا إسرائيل شعب مقدس للرب الهك اياك قد اختار الرب الهك لتكون له شعباً اخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض ليس من كونكم اكثر من سائر الشعوب التصق بكم الرب واختاركم لا لأنكم اقل من سائر الشعوب بل من المحبة الرب اياكم وحفظه القسم الذي اقسم لابائكم).
فأن الفهم الصحيح لدلالة هذين النصين كالتالي:
أ/ هذه النصوص كتبت بعد موت موسى عليه السلام وانبياء بني إسرائيل على يد تلاميذهم والحاخامات وهذا ثابت من منظور تاريخي بل اتفقوا على ان هناك عدة مؤلفين للتوراة منهم من ذكرنا سابقاً.
ب/التفضيل حتى لو تحقق فلا يكون جزاماً انما يكون مشروط باتباع تعاليم الاله والامتثال لاوامر الرب والانقياد لشرائع انبياء بني إسرائيل وهذا ما يستفاد من نسبهم الى الله تعالى في النص التوراتي فبمقدار تقيدهم بالمواثيق والعهد الإلهي يكون لهم تميز عند الله تعالى وليس على الشعوب وأبناء النوع الإنساني ولهذا القرءان الكريم تعرض الى ذكر افضلية بني إسرائيل على العالمين بأكثر من مورد منها قوله تعالى(يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين)وهذه النعمة فسرت في سورة المائدة ٢٠ بقوله (وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكاً واتاكم مالم يؤت به احداً من العالمين) وايضاً قوله في بيتن تفضيل بني إسرائيل باعتبار ان اكثر الأنبياء منهم(وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً كلا فضلنا على العالمين).
وقال تعالى،الدخان ٣٢ (ولقد اخترناهم على علم على العالمين،واتيناهم من الايات مافيه بلاء مبين).
فالايات في بيان تفضيل الأنبياء من بني إسرائيل وليس(سلالة بني إسرائيل)
-ثم لنعلم جيداً ان الله تعالى اختارهم ليؤدوا الميثاق وهو ميثاق نشر العقيدة التوحيدية في عصر كان الغالب عليه عبادة الاوثان.
ثانياً/ اسطورة ارض الميعاد.
-بناء على نصوص التوراة يعتقد اليهود ان إبراهيم عليه السلام اعطاهم وعداً بعودة فلسطين اليهم ويسعون جاهدين الى ضمها اليهم!
المناقشة..
١-ان دعوى انهم السكان القدامى لأرض فلسطين يوجب عليهم طرد السكان الجدد(الفلسطينيين) منها،اذا صح هذا المنطق فنقول ان المسلمين سكنوا اوربا اكثر من ستة قرون ومكثوا في إيطاليا واسبانيا حتى جنوب باريس،فهل يصح الان قول انهم أولى بهذه الأراضي من الاوربيين الحاليين!
٢-ان اول من دعى لانشاء دولة لإسرائيل هو (هرترزل) وليس وعد نبي الله إبراهيم عليه السلام ولا وعود التوراة وهذا ما وثقه المفكر الفرنسي (غارودي) كتابه (الاساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية)
عند عقد مؤتمر (هرتزل عام١٨٩٧)
٣-هناك حاخامات يهودية يهود وعلماء بالتوراة ضد الصهيونية السياسية ويتعارضون مع توجهاتها،فلو كان الوعد بارض الميعاد منشأة النص التوراتي فكيف يخرجون عن تعاليمه!
٤-لا غرابة من تهديد فلسطين مادام أمريكا طردت سكانها الاصليون منها وهم الهنود الحمر.
٥-هناك قائمة من حاخامات يهود ومفكرين يهود اعتبروا ان ارض الميعاد(خرافة واسطورة) نذكر بعضهم:-
*المفكر البريطاني اليهودي جون روز كتابه(اساطير الصهاينة).
*الأستاذ الجامعي والمؤرخ اليهودي(شلوموساند) كتابه(متى وكيف اخترع الشعب اليهودي) قال(ان فكرة عودة اليهود الى ارض الميعاد ظهرت مع مولد الصهيونية ولم تكن القدس الا ارضاً مقدسة تُزار ولكن لا يسكن فيها الا اليهود تماماً مثل مكة التي يحج اليها المسلمون واكن لا يستوطنوها)
*البروفسور المؤرخ اليهودي ايلان بابيه في كتابه القيم: (عشر خرافات عن إسرائيل)
*المفكر المفكر شلوموساند كتابه(كيف اعد يهودياً)
*المفكر والبروفسور أستاذ التاريخ المعاصر اليهودي شلوموساند كتابه(اختراع ارض إسرائيل)،أستاذ جامعة تل ابيب.
*المفكر والبروفسور شلوموساند كتابه(عرق متوهم-تاريخ موجز لكراهية اليهود)
*عالم الفيزياء الشهير اليهودي البرت انشتاين له رأي اخر معروف بمعارضته إقامة دولة قومية في فلسطين.
*هناك حركة يهودية اجتماعية مناهضة للصهيونية اسمها(ناطوري كارتا) (NK)
تأستت عام ١٩٣٨ لاجل معارضة إقامة دولة داخل الأراضي الفلسطينية واعتبار إسرائيل مغتصب لأن ليس لها حق تقرير المصير،ويقدر عدد المنتمين لهذه الحركة(اكثر من ٥٠٠٠) الف يهودي منتشرين في نيويورك ولندن والقدس.
تخرج بمظاهرات تجوب الشوارع تندد بالعنف المنظم على الفلسطينيين.
ثالثاً/ اسطورة التطهير العرقي لغير اليهودي.
المناقشة..
١-اثبت المؤرخ المعاصر اليهودي شلونوساند في كتابه( عرق متوهم) ان المنتمين الى اليهودية ليسوا منحصرين في الافراد المنحدرين من بني إسرائيل بالخصوص،بل التاريخ اليهودي يثبت ان هناك اعراق مختلفة وشعوب متعددة اعتنقت اليهودية،فأين العرق الخالص!!
٢-عندما عاش اليهود بين العرب والمسلمون لم يمارس المسلمون معهم أي شكل من اشكال الاقصاء ولم يعرضوهم الى ابادات جماعية كما يفعلوا الان بالفلسطينيين.
٣-من يقرأ تاريخ اليهود يلحظ بوضوح ليس هناك تشكل مفروز لليهود حتى يمكن وصفه بالشعب اليهودي،حتى ذلك يتسنى لنا ان نعطي توصيف عام لغير المنتهي لهذا المكون بأنه غير يهودي ليكون في مقدمة لتطهيره عرفياً لهذا المؤرخ اليهودي البروفسور شلوموساند في كتابه(مثى وكيف اخترع الشعب اليهودي)تبنى فكرة ان اليهود لم يكن لهم كيان الا بعد اجتماعهم في فلسطين عبر الهجرات الجماعية القسرية والمنظمة.
٤-لم ينقل لنا التاريخ اليهودي ان انبياء بني إسرائيل قاموا بحملات اغتيالات وابادات بشرية لغير اليهود ولم يمارسوا فعلياً تطهير عرفي لبقية الأعراف.
((لماذا تضحي أمريكا بمصالحها من خلال دعمها لإسرائيل))
-القارئ الواعي للسياسات الدولية التي تحكم النظم والحكومات سيدرك جيداً وبكل وضوح ان ما يحكم العلاقات الدولية جميعاً هو(مبدأ المصالح) وهذا ما ينطبق على علاقة أمريكا بإسرائيل.
ومن هنا نجد الباحثين والمفكرين والمحللين تعرضوا الى هذا الموضوع بالدراسة والتحليل وقدموا مجموعة من المقاربات التي توضح الأسباب الحقيقية التي تدفع أمريكا ودول اوربا الدعم ومناصرة إسرائيل.
ومن هذه الأسباب:-
السبب الأول/
اشغال الشرق الأوسط.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي فكروا في صناعة عدو جديد وهذا العدو الجديد هو(الإسلام السياسي) هو الموقف من القضية الفلسطينية.
السبب الثاني/
تعتبر إسرائيل قلعة الحضارة الغربية في الشرق الأوسط وحارس البترول في المنطقة بعد ان كان-الشاه-يمارس هذا الدور ولا ننسى العمق الاستراتيجي لموقع إسرائيل حيث تقع بين ثلاث قارات ولهذا
١-كتاب(لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من اجل إسرائيل) غريس هالسل صرح جو بايدن قائلاً (إسرائيل اكبر استثمار لنا ندفع لها ٣ مليارات لحماية مصالحنا في المنطقة ولو لم تكن إسرائيل فعلى أمريكا اختراع إسرائيل)
السبب الثالث/
بعد المشاكل التي أحدثها الوجود اليهودي في المانيا واوربا،فكرت أمريكا بالتخلص منه،وانسب مكان يتم تجميعهم فيه هو الشرق الأوسط وخصوصاً-فلسطين- لما لهم من ارث حضاري وروحي بهذه المنطقة.
السبب الرابع/
وجود إسرائيل في المنطقة العربية اكبر مانع وعائق من تحقيق -الوحدة العربية- وان تباين الدول العربية في تعاطيها مع القضية الفلسطينية ادل دليل على تحقق الغاية التي يرجوها الغرب وهي اشغال العرب بقضية غير قابلة للحل.
السبب الخامس/
إسرائيل تحقق مقدمة العودة الثانية للسيد المسيح بحسب الفهم الكهنوتي للبشارة الانجيلية وبما ان كثير من رؤساء أمريكا واوربا ينطلقون من أفكار انجيلية فمن المصلحة دعم أدوار إسرائيل في المنطقة.
السبب السادس/
ضغط اللوبي اليهودي داخل أمريكا يضطر كبار السياسيين الى اتخاذ مواقف متعاطفة مع إسرائيل لأن كبار رجال المال والاعمال والشركات هم من اليهود.